كتابة أ. نادية جعودة لسلسلة رأي الخبرات النسائية الليبية (لقراءة نبذة عنها تجدونها بعد نهاية المقال)
منذ فبراير أنطلقت القوي المدنية النسائية والشبابية في نشر مبادئ الأعلان العالمي لحقوق الانسان وحقوق المواطنة وحق المشاركة السياسية ، بمساعدة ودعم المنظمات الدولية ، وكان حراكا قويا متحمسا مطالبا بسيادة القانون . وفي غفلة من هذا الحراك ،كان يختبئ وحش المحاصصة يتحرك في الخفا خلف الكواليس ، ويستعد للأنقضاض علي هذا الحراك والعمل الدؤوب ، لنتفاجأ بأنهيار كامل للأليات الصحيحة لتولي المناصب العامة في سبيل ارضاء بعض المتنفذين من القبائل والمدن ومن يقف خلفهم من الطامحين في المناصب ، و ذلك بتجاوز الآليات والمواصفات المطلوبة في صانع القرار.
استمر ترسيخ المحاصصة في المرحلة الأنتقالية بتجاوز الأعلان الدستور ، بدون اي مواجهة من النخب الحقوقية والمدنية ،الا من اصوات ضعيفة انتبهت لخطورة الوضع وتداعي المحاصصة علي مستقبل البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا ، والتحول من مفهوم الدولة الي مفهوم الغنيمة . فالمحاصصة هي ضمنيا انتهاك لحقوق المواطنة ،لما فيها من تمييز بين مواطن واخر بأعتبار ان ابناء بعض القبائل هم مواطنون من الدرجة الأولي وأبناء القبائل الأخري مواطنون من الدرجة الثانية او الثالة . الأمر الأسؤ هو التعاطي مع هذا التمييز من بعض الحقوقيين والقوي المدنية ، والقبول به كمقياس لتولي المناصب بما يتنافي ذلك مع العقيدة الحقوقية ومبادئ حقوق الأنسان وحقوق الموطنة.
وفي غياب الوعي الكامل من الأحزاب الناشئة ، وفي ظل ضعفها في تقديم مشروع سياسي واقتصادي مقنع للمواطن ، تورطت بعض الأحزاب في التعاطي مع المحاصصة القبلية والمناطقية كأمر واقع . وهكذا تغولت المحاصصة في تهميش القدرات والكوادر المهنية المتخصصة ، لعدم وجود قوي مدنية حقيقية تتصدي للمحاصصة في مجتمع بسيط يحلم أبناؤه بحياة كريمة وخدمات متطورة ومستقبل واعد.
الآثار الأقتصادية للمحاصصة :
من الناحية الأقتصادية فان تداعيات المحاصصة علي العملية الأنتاجية ، المحرك الأساسي لعجلة الأقتصاد والنمو تنعكس علي اجمالي الناتج المحلي GPD ،وهو ما يمثل مجموع السلع والخدمات للأفراد في مجتمع ما خلال فترة معينة ، وهو الأكثر تأثرا سلبا بعامل المحاصصة . فالناتج الأجمالي المحلي GPD هو مؤشر لعملية النمو وخلق الوظائف والتي تنعكس طرديا مع آداء ونجاح وابداع أفراد المجتمع في الأنشطة المختلفة ، وهو ايضا مؤشر للأنكماش والكساد الأقتصادي .
وتدخل المحاصصة في آلية تولي المناصب كبديل لمعيار التخصص والكفاءة والخبرة والنجاح ، أدت الي عزوف افراد المجتمع عن العمل بإفتقاد الحافز له ، وما يترتب عليه من ترقية مادية ومعنوية . وتحول التوجه الي الصراع علي المناصب بأعتبار أن الترقية وتولي المراكز يتم التلاعب به واحتكاره بالمحاصصة والهيمنة عليه من خلال المرجعية القبلية والجهوية وليس علي اساس الكفاءة والتخصص .
من المسؤول عن تغول المحاصصة في المرحلة الأنتقالية ؟
أولا : استقواء القبائل في ظل عرقلة بناء الدولة .
ثانيا : ضعف الأحزاب السياسية وعدم التزامها بالتمسك بمبدأ التداول السلمي للسلطة ، وتنازلها ومقايضتها بتولي المناصب علي اساس المحاصصة .
ثالثا: قبول المجتمع بذلك كأمر واقع في ظل غياب الحراك المدني والحقوقي القوي ، بل صمته ومشاركته في هذا التمييز في المواطنة في جل فترات المرحلة الأنتقالية .
ومن هنا نستخلص ان النتائج السلبية لتغول المحاصصة وأستقوائها في المرحلة الأنتقالية ، نتج عنه عرقلة بناء الدولة المنشودة وأنتشار وحماية الفساد الإداري والمالي المعيق الأساسي للوصول الي المرحلة الدستورية ، الأهدار في المال العام واستمرار الصراع السياسي وتعطل العملية السياسية وانهيار الوضع الأقتصادي ، تدني وسؤ الخدمات و سوء ادارة شئون الدولة ، وتذمر المواطنين من الأوضاع المعيشية ،والوصول الي الدولة الفاشلة ، وهو السبب المباشر في العزوف عن الديمقراطية والرفض الشعبي للديمقراطية مما ادي الي يأس المجتمع من النخب السياسية في اقتلاع الفساد والقضاء علي المحاصصة وعلي التلاعب بمقدرات الدولة .
الحلول والبدائل :
-
أرادة المجتمع والقوي المدنية في التمسك بمبادئ سيادة القانون
-
تعزيز القطاع الخاص والتحول الأقتصادي
-
الأندماج في الأقتصاد الدولي
بعد ان وقعنا بين كماشة المحاصصة والفساد الإداري والمالي ،أصبحت الحلول تكمن في ارادة حقيقية عند القوي المدنية الحية من النساء والشباب في فرض مبدأ سيادة القانون والتمسك بآلياتها .وهنا وجب التنبيه علي جزئية مهمة جدا وهي ان نجاح التداول السلمي حسب مبدأ سياد القانون يفترض ان يتكون المجتمع من ثلاث مكونات وهي السلطة ، المجتمع المدني ، والسوق .
ويقصد بالسوق هنا هو القطاع الخاص ، والذي يعاني في ليبيا من منافسة القطاع العام وهيمنته علي القطاعات الخدمية واستقواء لوبيات الفساد المحمية والمرتبطة بالمحاصصة وأعاقة تعزيز نظام السوق في ظل عدم أدراك المجتمع بأهمية القطاع الخاص ، وتأثيره في زيادة معدلات النمو ،وأنعكاس ذلك علي ميزان المدفوعات وهو الكفيل بأنتشال الدولة من تصنيفها كدولة فاشلة الي دولة قوية أقليميا وحاضرة دوليا بأستغلال مواردها الطبيعية الأستغلال الأمثل ، والذ ي من شأنه ان يجعل من الأقتصاد الليبي مرتبط بمنظومة الأقتصاد الدولية .
اذا هي عملية متكاملة للوصول بالدولة المستقرة محليا والقوية أقليميا ، واقتصاد حيوي دوليا .ولتحقيق ذلك علينا بأستئصال المحاصصة السبب الرئيسي للفساد الأداري والمالي عن طريق عملية التحول الأقتصادي التي من شأنها ان تمكننا من الأندماج في الأقتصادي الدولي .
حاولت الكثير من القوي المدنية والخبراء الأقتصاديين ورجال الأعمال الي التنبيه مبكرا من خطر الأنزلاق في الأقتصاد المغلق ،الذي تفرضه المحاصصة وتحتكره ، وقام هؤلاء الخبراء بعدة انشطة وندوات تدعو الي الأقتصاد المفتوح والتحول الأقتصادي الذي من شأنه ان يقضي كلية علي المحاصصة ، ومنها علي سبيل المثال مجموعة خزان الأفكار بنغازي، وهي مجموعة من الخبراء المصرفيين ورجال الأعمال والمستثمرين ، ايضا اقيمت مبكرا بعض المقابلات الأعلامية مع الأقتصادي الدكتور احمد الجهاني واستضافتة كمتحدث في بعض الندوات ، حيث حذر مبكرا من سيطرة بعض المناصب كمراكز نفوذ علي الأقتصاد الليبي ، وعلي مستوي معيشة الليبيين وهذه المناصب تقع تحت هيمنة المحاصصة ، كما أقترح مشروع المدينة المفتوحة للتخلص من هذه الشبكات والأخطبوط واللوبيات المرتبطة بالقبائل والمدن وتأثيرها علي الأقتصاد الليبي. كما أعدت دورات توعية لمبدأ سيادة القانون وارتباطه بالعملية الأنتاجية والأقتصادية ، ودور نظام السوق والمجتمع المدني في ترسيخ وانجاح آليات مبدأ سيادة القانون.
لماذا مكافحة المحاصصة هي هدف استراتيجي لبناء الدولة المنشودة ؟
لماذا المحاصصة تسببت في الوصول الي الدولة الفاشلة؟
-
تحرص لوبيات المحاصصة علي السيطرة علي مراكز صنع القرار وتوسيع نفوذها ، بتنصيب الأقارب وابناء العمومة وتشكيل شبكة من مراكز النفوذ تتحكم في الأقتصاد والسياسة ، وذلك من خلال أنتهاك لأحقية التخصص والأهلية لتولي المناصب ، مما أدي الي ضعف الخدمات وبالرغم من وجود بعض الشخصيات المتخصصة ذات الخبرة العالية المتمكنة الا ان المحاصصة اضعفت قدرة الحكومة للعمل بتجانس وتكامل علي نفس المستوي والقوة لأنجاز مهام الحكومة. فالخبير المتخصص يحتاج الي فريق متكامل من الخبراء من مختلف التخصصات لتنفيذ خطة الحكومة التي تحصلت بناءا عليها علي الثقة وتحقيق الأهداف والمهام ، وفي ظل المحاصصة لا يمكن الوصول الي ذلك ، ففريق العمل الحكومي يعاني من افتقاد التخصص والخبرات في القطاعات المختلفة .
-
عجز الحكومة عن تقديم الخدمات لكل المواطنين ، وعدم قدرتها علي تلبية ما يطمح له أفراد المجتمع في كل المدن ،يؤدي الي فقدان ثقتهم في هذه الحكومة والوصول بها الي الدولة الفاشلة وأفول سيادتها علي كامل التراب الوطني.
-
عدم القدرة علي مساءلة الحكومة من قبل السلطة التشريعية ، فأغلب التنفيذين في هذه الحالة هم محميين اما بقبائلهم او من داخل السلطة التشريعية.
-
ترسيخ الأفلات من العقاب في مجتمع مركب علي اساس قبلي ، فلا يمكن محاسبة من تولي المنصب بدعم قبلي .
-
ترسيخ مفهوم القبيلة علي حساب مفهوم الدولة الوطنية وعلو قوة ونفوذ القبيلة علي مؤسسات الدولة.
-
لوبيات المحاصصة تصبح قوة موازية لمؤسسات الدولة .
لهذا كله وجب علي القوي الحية العمل علي التصدي للمحاصصة ،من خلال متابعة آداء الأحزاب السياسية المتورطة في المحاصصة ، والتمسك بآليات سيادة القانون بالضغط والمناصرة والمطالبة بنشر السير الذاتية للذين يتقلدون المناصب بما يثبت توفر التخصص والخبرة والكفاءة .
تأثير المحاصصة علي مستقبل المرأة في المشاركة السياسية ودورها في العملية الأنتاجية :
رضوخ المرأة للمحاصصة القبلية والجهوية ، له الأثر البالغ في تدني مستوي آدائها العملي ، وعدم الأستقلالية في صنع القرار ، والمشاركة السياسية الفاعلة. فإذا ما ارتضت المرأة وقبلت المنصب بدعم قبلي لن يكون لها حرية أتخاذ القرار بناءا علي قناعاتها وقدراتها ، بل ستكون تابعة لسلطة القبيلة والناطق بلسانها . وستحبط كل الجهود المبذولة في تمكين المرأة والحراك الحقوقي النسوي ،بهيمنة المرأة المدعومة قبليا وتراجع العمل الحقوقي النسوي وأقصاء القدرات والكوادر النسائية عن العملية الأنتاجية اذا ما ترسخت المحاصصة وبذلك يصبح دور المرأة شكلي وليس فعلي .
نادية جعودة:
- حاصلة على بكالوريوس اقتصاد 1985 من جامعة بنغازي (قاريونس سابقا).
- مستشار اقتصادي بشركة ميلكم ليبيا النفطية/شركات المشاركة الليبية الاجنبية في قطاع النفط.
- رئيس المركز الليبي للدراسات الاقتصادية رئبس مجلس ادارة منظمة التراث والتعددية الثقافية.
- حاصلة على شهادة في حكم القانون والمواطنة بتدريب من المعهد الدينماركي DHIR.