سلام مفقود

سلام مفقود

سلام مفقود 1707 2560 admin

من ساجدة الشريف

يجب على المعلمين القاء دروس في الطيبة و الاحترام, لكن ماذا لو لاحظت المعلم يصف شعب معين في احدى الدروس في الصف بالقذرين, او ينادي بإحدى الاديان المهمة للملايين من الناس و يقول عنها حمقاء, إن هذه في الحقيقة هي العنصرية في مدارس ليبيا.

لقد قيل في العديد من المدارس التي درست فيها ان النظام التعليمي لا يعتمد فقط على العلوم بل على التربية أيضا, لكن الامر يصبح محيرا لاحقا على ما إذا كان المقصود بالتربية هنا الاحترام و المساواة ام العنف و التفريق بين الناس. عدم احترام التنوع بين الناس هي مشكلة كبيرة تواجهها ليبيا, لأن ظاهرة عدم التنوع ينتج عنها انعدام الانسانية في عقلية المجتمع. وحتى ان لم يكن الامر مباشرا فإن هذه العقلية اصبحت جزءا من النظام التعليمي الموجه للأطفال و الشباب و الذين معظمهم تنقص اعمارهم عن الثمانية عشرة عاما.

عندما يلقي المعلمين اقاويل عنصرية أو مؤيدة للتمييز الجنسي كجزء من الدرس في الحصة المدرسية, يجعلون التلاميذ يعتقدون أنه من المقبول عدم النظر الى الناس كسواسية, أو ان اللذين يتسمون بلون بشرة معينة أقل منهم شأنا, و هذه عقلية خطيرة خاصة إن أردنا المحافظة على مستقبل حقوق الانسان في ليبيا. لكن انعدام التنوع و الجمل العفوية التي يلقيها الاساتذة ليست هي الاسباب الوحيدة للعنصرية في المدارس, بل ايضا انعدام التوعية بما هو عنصري بين الطلبة. اننا ندرس مواد كالفلسفة, علم الاجتماع و علم النفس, لكن الكتب التي ندرسها لا تتحدث عن العنصرية او المساواة, و لم تقل ان اهم ما يجمعنا هي الانسانية و ليست المعتقدات الدينية. حدث ذات مرة أن استاذة قالت بشكل مباشر أن إن لم يكن المرء مسلما فلا يستحق الحماية. لقد خيب هذا القول آمالي, لكن ما خيبني اكثر هي التعابير الموافقة التي ظهرت على وجوه زميلاتي في الفصل عندما قيل هذا. لقد ارهبني التفكير في كيف أن اشخاصا من جيلي يتلقون رسائل تحرض على الكراهية بدلا من السلام في وقت الحرب الذي نعيش فيها.

انه من حق الشباب التوعية بحقوقهم و حقوق الاخرين, و انها جريمة ان يتربى جيلا كاملا على العنصرية و تعنيف الاخرين و ليس الطيبة و الانسانية. ان استمر الحال بهذه الطريقة سوف يصبح الاطفال يقدرون التفرقة بين الناس اكثر من الحرية و المساواة. التربية في المدارس الليبية قد توجهك الى العنف لكي تأخذ حقك, لأن المعلمين لا يتوجهون غالبا الى حل خلاف بين اثنين عن طريق التفاهم و الكلام, و بدلا من ذلك يتلاومون على من خسر العراك لقلة عزمه. و هذا حدث معي عندما لم تأبه معلمة لزجر تلميذة اخذت مقعدي و في المقابل قالت لي ان ما حدث قد حدث لي بسبب قلة عنادي. حرت وقتها اذا ما كان قصدها بالعناد هو ان اذهب و اتهجم على تلك التلميذة, لأنني فضلت ان اسأل المعلمة لفض الخلاف لكنها زجرتني في المقابل.

ما هو سائد في المدارس الان كما يقولون “وري العين الحمرة”و هو تعبير عن الغضب و ليس حسن المعاملة. لا تصادق من لا يشاطرك دينك, اقتل من هو “كافر” لأنه دنيء و لا يتمنى الخير, لا تقدم المساعدة الا لمسلم مثلك. كلها دروس يتلقاها الطلاب كل يوم, مع ان الاسلام يعلمنا الاحسان الى الجار, مساعدة الفقراء و المساكين, و اهم من هذا كله النظر الى الناس جميعا كسواسية.

اهم خطوة في بناء السلام هي التوقف عن بناء الحقد و الكراهية, نحتاج الى تثقيف الشباب عن السلام و جعلهم يتفهمونه. و من احتياجاتنا الرئيسية هي توفير كتب مدرسية تتكلم بالفعل عن الانسانية. كل يوم اشياء كهذه تذكرني بأهمية دوري و دور الشباب في بناء السلام, فالشباب هم من يبني المستقبل و لهذا يجب الاهتمام بإنسانيتهم. لقد اخترت ان أكون جزءا من (حركة معا نبنيها) لكي استطيع بمساعدة الاخرين ممن يقدرون بناء السلام و التوعية إضفاء بعض التغيير, من اجل التقدم خطوة بخطوة الى بناء مستقبل زاهر و أمن للحقوق وللبشرية عامة.