نساء الجنوب الليبي و المشاركة السياسية

نساء الجنوب الليبي و المشاركة السياسية

نساء الجنوب الليبي و المشاركة السياسية 518 701 admin

كتابة إيمان عويدات لسلسلة رأي الخبرات النسائية الليبية (لقراءة نبذة عنها تجدونها بعد نهاية المقال)

 

المقدمة:-

 

المشاركة السياسية للمرأة بمفهومها الشمولي لا تعني مشاركتها كناخبة او مترشحة في الانتخابات فقط رغم اعتبارنا ذلك قمة المشاركة السياسية وأرقي أشكال الديمقراطية بل يعني اضافة الي مشاركتها في صنع القرار ينبغي أن تحظي بفرصة المساهمة في التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالإضافة لدورها في منظمات المجتمع المدني.

وتبقي المطالبة بمشاركة المرأة على أسس متساوية مع الرجل في بناء المستقبل المستدام هو جزء اساسي من الصراع القائم علي الحق في التمتع بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية .

إن وجود الاتفاقيات الدولية التي تعنى بالمرأة هو حجر الاساس لحفظ حقوقها ومن هنا فقد صادقت أغلب الدول العربية ومن ضمنهم ليبيا علي العديد من هذه المعاهدات والاتفاقيات التي تضمن للمرأة الكثير من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.

كما تجدر الاشارة الى أن أغلب الدساتير الحديثة في الدول العربية لم تجرؤ علي أن تجحد فضل المرأة وتنكر عليها ما بدلته من تضحيات، وكان المكسب الذي خرجت به هو أن الدساتير لم تفرق بين الرجل والمرأة في أي حق من الحقوق السياسية فحق المواطنة يلقي أعباء وواجبات علي المرأة كما الرجل ولها ذات الحقوق.

وتظل هناك بعض القوانين التي تدل علي عدم احترام واضح من جانب بعض الحكومات لحق المرأة الاساسي في المساواة وعلي تأييد رسمي لاعتبار النساء أدنى مرتبه من الرجال.

كذلك لو اردنا تناول دور الدين وتأثيره على مشاركة المرأة في الحياة العامة والحياة السياسية سنجد ان الشريعة الإسلامية ساوت بين الرّجل والمرأة في معظم الأمور، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد ان ما افترضه الله على المسلمين من عبادات ينطبق على كل من الرجل والمرأة وهما مطالبان بالإيمان وإقامة الواجبات، وكذلك اكدت على المساواة بينهم في الحقوق المدنية كحق التملك وحق التعبير عن الرأي…. الخ.

كما أكدت الشريعة الإسلامية على ان اختلاف الرّجل عن المرأة في بعض الأمور لا يعني تجسيد الظّلم وعدم المساواة بل هو يعبر عن فهم حقيقي لطبيعة الحياة الإنسانيّة وخصائص وميزات كل من الذّكر والأنثى فيها.

وقد رسخ الفكر الاسلامي المستنير ضرورة اعطاء المرأة كامل الاهلية و اكد مساواتها في الحقوق والواجبات مع الرجل.

 

المشاركة السياسية للمرآه الليبية في المنطقة الجنوبية:-

تلعب العادات والتقاليد والموروثات الثقافية بالجنوب الليبي دورا كبيرا في الحد من ممارسة المرأة للعمل السياسي وفي ظل وجود ثقافه ذكورية تؤيد سلطة الذكور حرمت النساء عبر التاريخ من ممارسة حقهن في الحياة السياسية.

فمنذ استقلال ليبيا عام 1952م كان الجنوب يعاني من ارتفاع مستوي الامية خصوصا بين العنصر النسائي الذي لم يحظى بمستوي تعليمي لأسباب عدة منها نظرة المجتمع للمرأة وكذلك الخلفية القبلية والتركيبة الاجتماعية للمنطقة وحتى بعد 2011م ونتيجة لسيطرة النظام الذكوري في ليبيا بصفه عامه لم تعطى النساء الفرصة لشغل المناصب العليا في الاجسام التشريعية علي قدم المساواة مع الرجال، ولم تحظى المرأة بفرص متكافئة في الحصول على مراكز صناعة القرار داخل الحكومات المتتالية، أو المشاركة في الحياة العامة أيا كانت أشكالها وبالتالي أحدث هذا الامر شرخا في علاقة المرأة بالحكومات المتعاقبة  .

وتجدر الإشارة هنا بأن عدم تقبل البعض لمشاركة النساء في الانتخابات تسبب في معناة النساء المترشحات خلال حملتها الانتخابية من محاولات للتخريب والتشويه لصورها الانتخابية من قبل بعض الجماعات التي ترى في نشر صور النساء أمرا منافيا للقيم الدينية والاجتماعية ناهيك عن تشويه سمعة المرشحة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وبالرغم من وجود صعوبات وعقبات جمة واجهت المرأة في الجنوب ، الا ان مستوي مشاركتها الملحوظ في العمل المدني من خلال مشاركتها في نشاطات المؤسسات غير الحكومية يعد في حد ذاته مؤشر إيجابيا لرغبة المرأة في ممارسة العمل المدني والحياة السياسية بشكل عام.

وفي انتخابات المؤتمر الوطني عام 2012م شهد تسجيل الليبيين والليبيات على حد السواء نسبة إقبال عالية بلغت 61% وهذا يعكس الحماسة العالية حينها لممارسة تجربة الانتخابات في اطار ممارسة الديمقراطية .

ولقد شكلت مشاركة المرأة كناخبة نسبة عالية قدرها 45% من إجمالي عدد المسجلين في 13 دائرة انتخابية.

وفى مقارنة سريعة نجد ان المرأة في الجنوب الليبي اظهرت حماساً ملحوظا ومشاركة عالية في الانتخابات لو قارناها بمستوى المشاركة في بعض المدن الواقعة في شمال ليبيا، فمثلا على سبيل المثال تحصلت دائرة أوباري على أعلى نسبة في المشاركة وقدرها 51% في الوقت الذي سجلت فيه دائرة الخمس أقل نسبة مشاركة وصلت الى 36%.

وللوصول الي فهم أفضل عن مشاركة المرأة في العملية السياسية يتم من خلال تجميع المعلومات عن المجالس المحلية والبلدية التي ترأسها النساء لان النجاح السياسي علي المستوى القومي غالبا ما ينتج عن نجاح سياسي علي المستوي المحلي فاذا لم يتم تمثيل المرأة في المجالس المحلية والبلدية تمثيلا ملائما فان عدد المترشحات النساء صاحبات الخبرة سيتضاءل في التأهيل للمناصب القومية للدولة.

وفقا لقانون 59 لنظام الإدارة المحلية يجرى انتخاب الاعضاء بالاقتراع السري العام المباشر على أن يكون بينهم عضو على الأقل عن النساء وعضو من ذوي الاحتياجات الخاصة و نلاحظ هنا أن صياغة هذا القانون تسلم بوجود امرأة على الأقل الامر الذي يعني وجوب ترجمة النظام الانتخابي للبلديات بشكل يسمح بإمكانية التنافس على أكثر من مقعد للنساء في الانتخابات البلدية الأمر الذي لم يحدث حيث  أسفرت الانتخابات البلدية جمعاء عن اختيار امرأة واحدة عن كل مجلس بلدي ولا يوجد أي بلدية توجد فيها أكثر من سيدة مهما زاد عدد السكان أو نقص.

 

الصعوبات والتحديات التي تواجه المشاركة السياسية للمرأة في الجنوب الليبي:-

إن حقوق المرأة في المشاركة السياسية بالمنطقة الجنوبية كانت ومازالت تعاني حتي ولو حققت بعض النجاحات نظرا لاختلافات وجهات النظر داخل المجتمع حيث ينظر للمرأة في الجنوب الليبي  التي تحاول اثبات نفسها وقدراتها وتسعي لتبرز كقيادية في مجتمعها علي أنها خارجه علي العرف.

ومن التحديات التي واجهة المرأة في الجنوب ان بعض الاحزاب السياسية لا تحبذ المغامرة بترشيح النساء بسبب النزعة الدينية والذكورية والتي تجعل الكثير من المقترعين يصوتوا لصالح المرشحين الرجال ووفقا لانتماءاتهم الدينية والعقائدية الامر الذي يجعل النساء تقع ضحية المنافسة بين الاحزاب الدينية والعقائدية.

كما تشكل طيف واسع من الجماعات والأحزاب بينها ما يعارض الدمج الكامل للمعايير الدولية لحقوق المرأة في القانون الليبي. وفي ظل غياب أي خبرة انتخابية سابقة فان بعض المرشحات  لم تكن لديهن برامج انتخابية تفصيلية واعتمدن بدلاً منها على شعارات انتخابية عامة وعلى سمعتهن الشخصية.

 وبعض المرشحات حاولن بمجهودهن المتواضع جذب اهتمام الناخبين بأساليب عدة مختلفة منها الملصقات الانتخابية والمواقع الالكترونية والدعاية في الشوارع ولغياب الدعاية الانتخابية الكافية واتجاه بعض النساء من الفعاليات الاجتماعية والنخب للترشح الفردي الذي يكاد يكون نصيب النساء فيه منعدما وفقا لمعطيات واقعية.

كما انه كان هناك ضغط على المرشحات النساء (مقارنة بالرجال) وذلك بغية تعزيز الصفات الذكورية في الحملات الانتخابية لغرض التودد لكسب دعم الناخبين الذين يتعاطفون مع أدوار الجنسين اجتماعيا.

و اشتكت بعض المرشحات من الضغوط السلبية من العائلة والأصدقاء المتعلقة بعدم ملائمة اشتغال المرأة الليبية بالسياسة وعملت عائلات عديدة على إحباط المشاركة في الحياة العامة من أجل حماية شرف وكرامة المرأة وكي لا تضيع فرصها في الزواج..

كما تكررت واقعة تخريب ملصقات انتخابية لمرشحات فقد قام المخربون بتمزيق الملصقات الخاصة بعدد من المرشحات أو لطخوا وجوههن ورشوها بالطلاء في حين تركوا ملصقات المرشحين الرجال سليمة .

 وبعد عرض ملصقات الحملات الانتخابية صور بعض المرشحات في المساحات العامة في مدينة سبها تم العبت بالملصقات رغم انها كانت ملفتة للنظر في هذا المجتمع المحافظ وكانت أغلب وجوه السيدات خلال الملصقات الانتخابية في الجنوب الليبي غير مرئية لان ثقافة المجتمع لم تألف عرض وجوه السيدات في الأماكن العامة.

و ذات مساء  كانت احدي المرشحات المستقلة في مدينة سبها تسلم دعاية انتخابية للركاب في احدى المركبات العابرة في الطريق فقالت المرشحة لمركبه ممتلئة بالرجال وهي تلقنهم آرائها الانتخابية: ادعموا المرأة.

فرد عليها أحدهم رداً سلبيا وقال:- (المرأة مكانها في البيت) !!!!.

بالرغم من نسبة مشاركة النساء في التصويت والتي بلغت 39% فإن النساء لم تصوتن للنساء وتم توظيف تصويتها لمقاعد الرجال هذا ما يبرر عدم فوز النساء بأكثر من مقعد في قائمة الفردي ولعل في ذلك مؤشرا على عدم ثقة النساء في قدرة وكفاءة بنات جنسها وإعادة إنتاج أحكام الدونية التي يسقطها المجتمع عموما على النساء لتمارسها الأخيرة على المترشحات لمناصب صنع القرار.

 ان مشاركة النساء كمترشحات في كل العمليات الانتخابية الثلاث والتي انخفضت فيها نسبة النساء المترشحة من 19% في انتخابات المؤتمر الوطني إلى 9% في انتخابات مجلس النواب.

وانعدام الامن في معظم مناطق التوتر في ليبيا وخاصتا بالجنوب سبب ضعفا للنساء مما دفعهن الي أن يكن سلبيات وينسحبن من الفضاء العام وقد شهد انعدام الامن زيادة مصاحبة للنشاط السياسي حيث ترتبط مشاركة المرأة في الحياة العامة بشكل وتيق بأمنها وسلامتها بداية من نشاطها المجتمعي وصولا الي المناصب المنتخبة.

الخاتمة:-

من المطلوب أن يعي المجتمع الليبي بصفه عامة وخاصتاً في منطقة الجنوب أهمية دور المرأة في بناء الدولة وأن يستوعب المجتمع انه بحاجه هامة لدور المرأة في العمل السياسي وألا تكون مهمتها فقط تحريك المياه السياسية.

ولزيادة تمثيل المرأة ومشاركتها داخل المؤسسات التشريعية الليبية يتم عن طريق إصلاح النظام الانتخابي وهنا يجب اتخاد اجراءات ايجابية ”كاعتماد نظام الكوتة“ لتوفير فرص تمكنها من الحصول على فرصة الوصول لصناعة القرار.  بالإضافة لدعم المرأة في مؤسسات صنع القرار حتي يتم تحديد احتياجاتها وتلبيتها وكذلك يجب اتاحة معلومات واضحه وشفافة علي نطاق واسع بشأن معايير تقييم الاداء والتي بدورها يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المهارات الخاصة التي تضيفها المرأة بمؤسسات الدولة.

وتوفير الدعم للمرشحات الاناث وبناء قدراتهن و زيادة وعي ممثلي الاحزاب السياسية والشعب بشأن أهمية تمثيل المرأة في مجال السياسة.

وختاما نوصي بالاتي:-

  • لتمكين المرأة الليبية من العمل السياسي يتطلب تأمين مجموعه من البرامج التأهيلية والاجرائية المتعلقة بالمفهوم السياسي لمشاركتها في العملية السياسية.

  • اقرار تشريعات دستورية بالدولة تكون ملتزمة بالمبادئ الاساسية من ضمان للمساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص وترسيخ الديمقراطية وتعزيز سيادة القانون واستقلال القضاة وتوفير حماية لحقوق الانسان كلها خطوات هامه نحو الوصول الي اطار قانوني يساعد علي تحقيق مشاركه أكثر فاعلية خصوصا للنساء في الحياة السياسية

  • تحسين فرص النساء الليبيات في تحقيق أهداف المشاركة السياسية الكاملة يكمن في اعداد الرجال وتعريفهم بأن تمكين المرأة في هذا المجال لا يشكل تهديدا لهم بل بالعكس انه يشكل شراكة فاعلة ترتكز علي المعرفة والتضامن والاحترام والعمل المشترك مع الرجال.

  • مواجهة الاثار السياسية لانعدام الامن لهو أمر ضروري لتحسين مستوي أمان المرأة وزيادة حضورها في الحياة العامة كما يهدف الي أخد العوائق والصعوبات في الحسبان من أجل تمكين المرأة من الوصول الي المؤسسات الرسمية والغير رسمية.

  • هنا يجب اتخاد اجراءات ايجابية ”كاعتماد نظام الكوتة“ لتوفير فرص للمرأة تمكنها من الوصول لمراكز صناعة القرار.

ويعد من المهم لتمثيل المرأة الليبية في المؤسسات التشريعية هو تحقيق كتلة مؤثرة تصل نسبتها الي حوالي 30% والهدف من هذه الكتلة بالنسبة للمرأة هو أن يكون لها تأثير حقيقي في اتخاد القرارات داخل المؤسسات التشريعية.

  • ومن أهم العوامل التي تساهم في مشاركة المرأة السياسية هو دعم الشبكات النسائية والتضامن الاقليمي والدولي عن طريق تقوية حلفاء المرأة الاقليميين وتشجيعهم علي الوصول لجمهور الناخبين .

  • كما يجدر بوسائل الاعلام والنظام التربوي بالدولة تقديم برامج تكوينية حول المساواة بين الجنسين بالإضافة الي توفير مواد تعليمية توعوية للمساعدة علي ازالة النمطية التي تجعل من المرأة مرشحه غير جدية.

 

إيمان عويدات عبدالله سالم

رئيسة منظمة النور النسائية – سبها