استكمالا للتقرير الأوّل عن نتائج استبيان مشروع «هنا ليبيا» ومنظّمة «معا نبنيها» حول قضيّة “تولّي المرأة المناصب القيادية” والذي شارك فيه 5716 مشاركا، 60٪ منهم إناث، 54٪ من حملة الشهادة الجامعيّة، 79٪ منهم ضمن الفئة المستهدفة؛ يأتي هذا التقرير الثاني تتمّة لسرد وتحليل بقيّة إجابات الاستبيان.
السؤال الثالث: ما هي الأسباب التي يرى الشّباب الليبيّ أنّها تمنع المرأة تولّي المناصب القيادية؟
وُضعت إجاباتٌ متعدّدة ومتنوّعة لهذا السؤال، بين أسباب دينيّة واجتماعيّة وطبيعيّة وأمنيّة وتجريبيّة وأخرى، ويُمكن للمُشارك اختيار أكثر من إجابة، عدا خيار واحد “ما فيش شن يمنعها” فعند اختياره لا يُمكن أن يختار معه سببا آخر.
الذي ميّز هذا السؤال، هو ورود سؤال مفتوح يتبعه، وهو: “لماذا” محاولة لفهم أسباب ودوافع الإجابات أكثر.
سيّما وأنّ بعض المشاركين من الجنسين، اختاروا الإجابات بناء على استقراءٍ للواقع واعترافٍ بالتحديات الموجودة سلفا، وليس بالضّرورة أن تكون مُطابقة لأفكارهم ومعتقداتهم حول قضيّة تولّي المرأة المناصب القياديّة. وهذا ما وضّحته أكثر الإجابات المفتوحة (انتظر الجزء الثالث من التقرير).
أجمع المشاركون ذكورا وإناثا على أنّ الأسباب الاجتماعيّة هي الأبرز (تركيبة المجتمع الليبيّ) ما يمنع المرأة تولّي المناصب القيادية. أمّا السبب الثاني من حيث اختيار المشاركين، فقد كان مختلفا بين الذكور والإناث. ففي حين رأت غالبيّة الإناث أنّ الأسباب الأمنيّة تأتي في الترتيب الثاني؛ رأى غالبيّة الذكور أنّ الأسباب الدينيّة هي التالية.
الأمر الذي أكّدته الإجابات المفتوحة، حيث كثُر استدلال الذكور بالتبريرات الدينيّة والنصوص التي علّل بها الكثيرون اختيارهم، إضافة إلى تكرار معلومات مغلوطة حول طبيعة المرأة.
إجابة “تفتقر للخبرة الكافية” جاءت متأخرة الترتيب عند الجنسين (الترتيب الرابع عند الذكور، والخامس عند الإناث) أمّا الخيار المغلق “مافيش شن يمنعها” فقد تذيّل الترتيب؛ اختاره 13٪ من الإناث، و10٪ من الذكور، المشاركين.
السؤال الرابع: ما رأيك في الجمل التالية؟
تمّ طرح 3 جُمَل لها دلالات ودرجات مختلفة، على المشاركين؛ لمعرفة درجة تقبّلهم لها. وتحت كلّ جملة 3 خيارات، وعليهم اختيار إجابة واحدة فقط، من بين (أوافق – لا أوافق – لا أعرف)
الجملة الأولى: “لا يهمّ إن كان القياديّ رجلا أو امرأة” وافق على هذه الجملة 62٪ من المشاركين (74٪ من الإناث المشاركات في الاستبيان؛ اخترنَ هذه الإجابة)
بينما لم يوافق على الجملة 31٪ من المشاركين (غالبيّتهم من الذكور) أمّا الخيار الأخير لا أعرف فاختاره فقط 7٪ من المشاركين (بنسب اختيار متقاربة بين الجنسين).
الجملة الثانية: “المرأة قد تكون غير قادرة على القيام بمهام منصبها القياديّ”
والموقف العام من هذه الجملة لم يكن مخالفا لإجابات الجملة السابقة، وإن كان مُختلفا بعض الشيء عن إجابات الأسئلة السابقة. فلم يوافق غالبيّة المشاركين (51٪) على هذه الجملة أغلبهم من الإناث (66٪ من إجمالي الإناث المشاركات في الاستبيان) ووافق عليها 37٪ فقط، بينما اختار الإجابة المحايدة لا أعرف 12٪ من المشاركين.
الجملة الثالثة والأخيرة: “يجب زيادة حصّة المرأة في المقاعد البرلمانيّة، الوزارات والمجالس البلديّة”
وافق عليها 59٪ من المشاركين (72٪ من الإناث المشاركات في الاستبيان؛ اخترنَ هذه الإجابة) ورفضها 25٪ من المشاركين (لا نحتاج القول أنّ الغالبيّة المطّردة كانت من الذكور، وهذه سمة عامة لإجابات الاستبيان؛ المواقف السّلبيّة من القضيّة، غالبة مختاريها من الذكور) بينما جاء خيار “لا أعرف” بنسبة 16٪ وهي أعلى نسبة تحصّل عليها هذا الخيار، من بين الجمل الثلاث.
إجابات هذا السؤال (الرأي في الجمل) لم تحمل جديدا – مقارنة بالأسئلة السابقة – حول موقف الذكور من قضيّة تولّي المرأة المناصب القيادية. ولكن يُلاحظ أنّ نسب إجابات الإناث، المنفتحة على الجمل الإيجابيّة (وكانت ضعف نسب الذكور تقريبا) والرافضة للجمل السلبيّة التي تعزز الصورة النمطيّة؛ كانت أعلى من تلك النّسب التي حملتها الأسئلة السابقة (تضارب).
ربّما لأنّ طبيعة السؤال مباشرة، ما جعل اتخاذ موقفٍ أسهل نسبيّا لوضوحه. ما قد يعني أنّ الكثير منهنّ يفهمن المبدأ جيّدا، ولكن بحاجة إلى مزيد توضيح وتأصيل لتفاصيله (التثقيف الجندري).
السؤال الخامس: إن ترشّحت امرأة ذات كفاءة، لمنصب قياديّ؛ هل ستصوّت لها؟
هذا السؤال مباشر، وله 3 خيارات فقط، يجب اختيار أحدها، بين (نعم – لا – ممكن). أعلى الإجابات اختيارا كانت نعم بنسبة 68٪ (80٪ من الإناث المشاركات في الاستبيان؛ اخترنَ هذه الإجابة؛ وهي أعلى إجابات الاستبيان الإيجابيّة نسبةً من حيث اتفاق الإناث عليها)
واللافت للنظر أنّ 49٪ من الذكور المشاركين في الاستبيان اختاروا “نعم” أيضا، وهذا اختلاف عن إجابات الذكور للأسئلة السابقة، وموقفهم السّلبيّ من القضيّة. وقد يكون لعمومية السؤال دورٌ في ذلك، حيث لم يحدّد المنصب القيادي المقصود. كما أنّ السؤال لم يتح مجالا لتوضيح دوافعهم (إيمانا أم تشجيعا أم غير ذلك)
إجابة لا تحصّلت على نسبة 16٪ من المشاركين (فقط 6٪ من الإناث المشاركات في الاستبيان اخترنَ هذه الإجابة) وكذلك إجابة ممكن تحصّلت على النسبة ذاتها (16٪).
يُلاحظ من نتائج الاستبيان أنّ الأسئلة العامّة المباشرة، تلقى ردودا إيجابيّة (خصوصا لدى الإناث) أكثر من تلك التي تدخل عمق القضيّة وتقاطعاتها الاجتماعيّة والدينيّة، الأمر الذي يجعل المُشارك يأخذ موقفا حذرا، قد يمنعه من الإجابة. وهذا يعني ضرورة تفكيك التصوّرات الدينية والاجتماعية حول هذه القضيّة من أجل الوصول إلى تغيّرات فعّالة في الأذهان.
خاتمة مفتوحة: قصص نساء قائدات ناجحات
السؤال الأخير كان مفتوحا، سُئل فيه المشاركون: هل يعرفون نساء قائدات ناجحات؟ ثمّ طُلِبَ منهم مشاركتنا قصصهم.
لوحظ أنّ أغلب المشاركين أجابوا بالنفي. بينما المجيبون القِلّة بالإيجاب، استحضروا قصص نساء قائدات ناجحات – كما يرونهنّ – من خارج السياق الليبيّ، ومعظم الاختيارات كانت مكرّرة، من شخصيّات عربيّة وإسلاميّة وعالميّة، قديمة وحديثة. قليلٌ منهم استحضروا شخصيّات ليبيّة ناجحة، ولكن معظم المذكورات تميّزنَ في مجالات مهنيّة وحياتيّة؛ ولكن لم يكُنّ في مناصب قياديّة، كما نصّ السؤال.
وما كان صادما أنّ الإجابات التي كانت موافقة لمعايير السؤال “نساء قائدات ناجحات ليبيّات” لم تتجاوز أصابع اليدين؛ الأمر الذي قد يعكس القصور الكبير في التعريف والإشادة بالنّساء الليبيّات القائدات الناجحات، إضافة إلى وجود عدد ليس بالكبير – أصلا – لنساء قائدات في المجتمع الليبي، وسط التحديات الاجتماعية وعدم تكافؤ الفرص.
وهذا ما يجب أن يؤخذ في الحُسبان في الحملات التوعويّة بهذه القضيّة، وهو ما تقوم به «هنا ليبيا» منذ سنوات بالنشاط الحقوقيّ والتوعويّ، آخرها سلسلة #هي_القيادة والتي تعرّف بنماذج نسائيّة قياديّة ناجحة في المجتمع الليبيّ من مختلف المدن والمناطق.
انتهى سرد وتحليل أسئلة الاستبيان.